كتب رمال جوني في الديار
يبدو أنّ الأمور تتدحرج نحو الأسوأ، ترتفع وتيرة القصف، تزداد حدّة النزوح، تشتدّ معاناة النازحين في أماكن نزوحهم، وسط أزمة اقتصادية صعبة. معظم الذين غادروا قراهم صاروا بلا عمل، ينتظرون المساعدات التي تأخرت، بالكاد توزّع الفرش والأغطية التي لا تكفي، ولم تصل إلى كلّ النازحين. واقع مأسوي يعيشه هؤلاء، هربوا من الموت، فوقعوا أسرى النزوح. ظنّوا أنّ الدعم سيأتي سريعاً، أسوة بموجة النزوح التي شهدها لبنان عقب الحرب السورية. وقتها تحرّك المجتمع الدولي. هبطت المساعدات من كل حدب وصوب، حتى تأمين البيوت.
أُضيفت إلى أزمة المنازل مسألة الإيجارات. لا شيء متوفّر لمن هرب من القرى الحدودية، يبكي «إبراهيم»، ترك كل أعماله في العديسة، عدّته الخاصة بالبناء وماله ورزقه. بستانه قصف أيضاً، وفوق كل ذلك حين نزح نحو قرى النبطية، تفاجأ أنّ الإيجارات مرتفعة، والأغرب أن من يوفّر المنزل يتقاضى عمولة تتراوح بين 50 و200 دولار. هناك من يستغل النازحين وعوزهم وحاجاتهم الأساسية من مسكن ومأكل وعيش كريم.
لا يخفي «موسى» حقيقة الأمر، يعمل على تأمين منازل للنازحين لقاء عمولة يتقاضاها، يرفض كلمة «استغلال»، فهو وجد في الأمر فرصة عمل له، مشيراً إلى أنّ «عمولته تختلف حسب الزبون»، ورأى أنه يقدّم خدمة للنازحين الهاربين، وقال إنّ «العمولة تختلف أيضاً بين الفرد والمكتب»، لافتاً إلى وجود حركة نشطة جدّاً على خط تأمين البيوت لقاء عمولة تدفع مسبقاً، من دون أن يتردّد بالقول: «هناك أشخاص يعجزون عن دفع الإيجار فكيف بالعمولة، ولكن هذا شغل حتى لو كان نازحاً». تبعاً للواقع اللبناني هو «شاطر في اقتناص الفرص»، كما نجح في تحقيق أرباح طائلة خلال أزمة المحروقات والدواء والصيرفة والطحين. اليوم دخل قطاع جديد إلى الاستغلال ألا وهو تأمين منازل للنازحين.
في المقابل، برزت مجموعة من الشباب والصبايا أطلقت على نفسها «غروب وفاء وصمود»، من أجل دعم النازحين بتأمين البيوت المجانية، وقطع الطريق على سماسرة ومستغلي ظروف الناس، إذ تقول إحدى المشرفات على المجموعة يانا قانصو إنّ «هدفنا هو مساعدة أهلنا النازحين الذين يواجهون أوضاعاً كارثية ومأسوية. فكيف لنا أن نستغلّهم في ظروف كهذه؟».
استطاعت قانصو عبر 6 أشخاص آخرين تأمين 600 منزل للنازحين في الجنوب كلّه، وقالت «إننا نعمل على التشبيك بين الأهالي والنازحين ليدعم بعضهم بعضاً، كما نعمل على تأمين الأدوية، وبعض المبالغ المالية من بعض المتموّلين من أجل الوقوف إلى جانب أهلنا». وأضافت أنّ «الدعم يشمل أيضاً تأمين حليب للأطفال وملابس وبعض الفرش».
إنها المبادرة الأولى في دعم النازحين، تتشكّل من الشباب، في ظلّ التلكّؤ الحكومي الفادح في دعم النازحين اللبنانيين.