جاء في نداء الوطن:
تنقّلت الأحداث السياسية نهاية الأسبوع بين زيارة النائب السابق وليد جنبلاط الى موسكو ووصول وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت. وتحاول الدول الكبرى في هذه المرحلة إحتواء تداعيات حرب غزة وعدم الذهاب إلى المواجهة الكبرى. ويدخل لبنان عنصراً أساسياً في صلب المحادثات الإقليمية.
لا تخرج زيارة جنبلاط الى موسكو عن الإطار الطبيعي، فالعلاقة الجنبلاطية مع موسكو مستمرة منذ أيام الإتحاد السوفياتي. وكان رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» النائب تيمور جنبلاط قصد العاصمة الروسية قبل أشهر للإطلاع على الأوضاع السياسية وتمتين العلاقات. وتنفي مصادر مطلعة كل الكلام على استدعاء موسكو جنبلاط من أجل إقناعه بمرشح «حزب الله» رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، فالإدارة الروسية التي لا تضع «فيتو» على فرنجية أو أي إسم، ترفض التدخل في لعبة الأسماء وتبنّي أي مرشح سواء أكان فرنجية أم غيره لأنها تعرف تركيبة لبنان جيداً ولا تريد تكرار غلطة الفرنسيين.
أراد جنبلاط بزيارته الإطلاع على ما يدور من سياسات دولية، فالزعيم الدرزي يقرأ سياسة لبنان من خلال النظرة الأوسع والتغيرات الإقليمية والدولية. وهذا ما حصل خلال اللقاء مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائبه موفد الرئيس فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف، وإذا كانت حرب أوكرانيا حاضرة خلال اللقاءات، إلا أنّ الروس عبّروا عن تخوفهم من إمتداد حرب غزة إلى لبنان، وأكّدوا موقفهم الثابت بضرورة وقف الحرب والدمار في غزة وحماية لبنان، لأنّ التهديدات الإسرائيلية جديّة.
يعلم جنبلاط من خلال اللقاءات الروسية أهمية تشكيل مظلة سياسية فوق لبنان تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، وكلام لافروف وبوغدانوف واضح في هذا الإتجاه، وإذا كان التركيز الروسي على حماية لبنان، إلا أنّ الوضع الجنوبي يؤثّر في كل الإستحقاقات، فموسكو ضدّ تمدّد الحرب، لأنّ مثل هكذا عمل سيؤدّي إلى ضعف الدولة اللبنانية، وبالتالي يصبح الوضع اللبناني خطيراً على الوجود الروسي في سوريا، وسط الحرب الأميركية - الروسية المندلعة في العالم بطريقة غير مباشرة.
وكانت لافتة، زيارة عبد اللهيان الى بيروت وإعلانه الموقف الكلاسيكي لبلاده بدعم المقاومة والوقوف إلى جانب لبنان، وبحثه مع المسؤولين اللبنانيين في الخطر الناشب جنوباً وطريقة مواجهة إسرائيل، ودعمه للحل السياسي في غزة والمنطقة.
بين بيروت وموسكو حركة سياسية مستجدة، لكن الميدان هو الذي يحدّد المسار العام للأمور، وحسب قراءة أوساط ديبلوماسية، لا تعتبر هذه الحركة تحرّكاً شرقياً حيال لبنان، فجنبلاط مهما بنى من علاقات متينة مع الروس، يُصنّف مع محور «الإعتدال العربي» وحليفاً للأميركيين حتى لو اتّخذ في بعض الأوقات مواقف متمايزة.
ومن جهة ثانية، ومهما بلغ التنسيق الروسي- الإيراني في سوريا، لا يخفى على أحد وجود تنافس على النفوذ، وباتت موسكو هي القوة الأكبر على الأرض السورية، بينما الوجود الإيراني يتعرّض للقضم نتيجة قوة موسكو والضربات الإسرائيلية المتتالية، إذ لا مجال للمقارنة بين قدرات موسكو وإيران.
والأهم من هذا كله، هو في السياسة الروسية الداعمة لإسرائيل، فمهما بلغ الخلاف بين الرئيس الروسي ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، تبقى موسكو من أكثر العواصم دعماً لإسرائيل، خصوصاً إذا وصلت الأمور إلى حدّ تهديد الكيان الإسرائيلي مثلما حصل في عملية «طوفان الأقصى». ويتم الحديث عن «قبة باط» أو تعاون إستخباراتي روسي - إسرائيلي لإستهداف قادة الحرس الثوري في سوريا.
وأمام كل هذه المعطيات، لا يوجد تنسيق في المواقف من الملف اللبناني بين روسيا وإيران، وكل ما يحكى عن تحرّك شرقي تدحضه أجواء موسكو، والتي تؤكد أنّ للولايات المتحدة الأميركية الكلمة الفصل في لبنان مهما بلغت الدول الإقليمية من قوة ونفوذ في هذا البلد، ويتأكّد هذا الأمر من خلال تولي واشنطن المفاوضات للجم التوتر في الجنوب ومنع الحرب وتطبيق الـ1701 الذي أكّد جنبلاط دعمه من موسكو وينتظر قرار نظام عبد اللهيان.