عيسى طفيلي
كثير من اللبنانيين هاجروا بسبب الظروف التي لطالما مرت على البلد، على اعتبار أن الأزمة الحالية ليست الأولى التي تمرّ على لبنان، وجيل هذه الأيام ليس الجيل الوحيد الذي عذّبته الأزمات وشرّدته بين مختلف دول العالم، بل هناك أجيال عدة توزعت أبنائها بين قارات العالم، من الشرق إلى الغرب، فالحروب والأزمات الإقتصادية لطالما دفعت شبّأن للهجرة بعمر صغير بحثاً عن العمل وتضحية بأنفسهم لأجل تأمين قوت أهلهم، وإن كان على حساب طموح علم أو عمل معيّن.
مع بداية التسعينات، وبعد أن وصل موس الفقر إلى لحية العائلة التي كانت ميسورة إلى حدٍّ ما، اتخذ الشاب الصغير قراراً رجوليّاً، وتوجه للسفر بهدف البحث عن عمل ليعيد اليسر إلى عائلته، إبن الـ 16 سنة، هاجر إلى البارغواي تاركاً طفولته وبرائته خلفه، وسط ضباب يلف الرحلة ومستقبلها، ليبدأ عمله بالتجارة دون أي خبرة بها، رامياً نفسه في كنف الدنيا متقلّباً بين مصائبها ومصاعبها، باحثاً عن مستقبلا عمليا، وطموحا علمياً لم يمحيه السفر أو التعب أو العذاب.
علي فرحات، من شاب مهاجر لم يبلغ سنّ الرشد، إلى عامل متجوّلٍ في البراغواي، حتى أصبح متعلّماً والإعلامي العربي الأشهر في أميركا اللاتينية، الذي لطالما وقف بصلابة أمام كل أشكال الأذية التي كانت تطال الجاليات العربية، ولم يخف ولم يستكين عن استخدام مهنته في الدفاع عن كل مظلوم ومواجهة كل ظالم.
موقع Diaspora on تواصل مع المغترب اللبناني في البرازيل الإعلامي والكاتب علي فرحات، الذي روى لنا قصته من بداية هجرته حتى تحقيق حلمه، فهل سيعود يوماً إلى لبنان، أم أنه ارتبط بالعيش في البيئة اللاتينية؟
فرحات أكد في معرض حديثه، أنه " ليس من السهل أن يضطر شاب بعمر الـ16 سنة أن يهاجر ليشق مستقبله ويحاول مساعدة أهله، لكن الضرورات تبيح المحظورات، وصعوبة الحياة في ظل الحروب والأزمات دفعتني كشاب صغير للتضحية والسفر والبدء بالعمل في المنطقة المعروفة بالمثلث بين الأرجنتين والبرازيل والبراغواي، وبدأت أشتري القليل من البضائع وأتجوّل في الطرقات باحثاً عن رزقي وقوت يومي، ومع مرور الوقت أصبحت أتوسع في العمل ذاته بعد أن اعتدت على العيش في تلك البلاد، وبدأت البحث عن تحقيق طموحي في إكمال دراستي، ووجت هذا الأمرة في البرازيل، إذ أن المنطقة التي كنت أعيش فيها بالبراغواي بعيدة عدة دقائق عن البرازيل، ووجدت فيها نظاما تعليمياً يتيح لي أن أكمل دراستي بشكل مكثّف إذ أن هناك عدة سنوات ضاعت مني وقتي أثناء الهجرة والعمل".
وتابع: " أنهيت الدراسة الثانوية بالتزامن مع متابعتي للعمل على الحدود بين البرازيل والبراغواي، وحصلت على منحة لمتابعة دراستي الجامعيّة، وهنا بدأ الحلم، وبدأت قصة دراسة إختصاص الإعلام الذي لطالما حلمت بدراسته، إلى أن تخرّجت من الجامعة، وفتحت امامي طرق العمل، لكن سرعان ما اصطدمت مسيرة بأمر مفصلي، إذ كانت أحداث 11 أيلول نقطة تحوّل في مسيرتي المهنيّة، بعد أن أصبح المثلث الحدودي الذي كنت أعيش فيه، مقصداً لإقتحامات الشرطة وأذية الجالية العربية بحجة البحث عن عناصر تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن.
ولفت إلى أن في تلك الفترة " كانت البراغواي محسوبة بشكل كامل على الولايات المتحدة، وكانت تملك الأخيرة نفوذاً أمنيا كبير، وفي المنطقة الحدودية، كان الفساد الأمني كبيرا جداً، إذ أصبحت الأجهزة تستفز اللبنانيين ليدفعوا المال مقابل الحماية، لم أتقبّل الأمر، وخرجت إلى الإعلام أتحدّث عن تفاصيل ما كان يحدث من إستفزاز للجاليات العربية وخصوصاً اللبنانية، وكانت خطوة جريئة في حين أن الجميع كان مختبئاً ويعاني مما يحصل، وكنت متحصنا ببطاقة الصحافة البرازيلية التي أمنت لي الحماية من أي ضرر ممكن أن أتعرض له بسبب فضح ما كان يحصل مع اللبنانيين على المثلث الحدودي".
وأضاف: " في الفترة التي أتت بعد أحداث أيلول، أخذت الأجهزة الأمنية تعتقل كل من كان له علاقة بأي تنظيم عاليمي، إن كان من المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية أو القاعدة أو غيرها، من دون تمييز بين الفئات وأهداف التظيمات، ومن بين المعتقلين، أسعد بركات، الذي كان تاجرا عليه صبغة التواصل وتأييد حزب الله، فتم اعتقاله، وقمت بتأليف كتاب حمل إسمه بهدف توثيق الظلم الذي تعرض له والأحداث التي كانت تؤذي اللبنانيين في تلك المنطقة".
وأشار إلى أن "في تلك الفترة، أطلعني مسؤول أمني برازيلي متقاعد، على معلومات عن كيف كان الأميركيون يعملون على تركيب الملفات للبنانيين هناك ويتجسسون عليهم حتى في سهراتهم وصباحاتهم. إستخدمت الوثائق واستخدمت معها الأسلوب القصصي ودمجتها في الكتاب مع قصة أسعد بركات، وكشفت موضوع التنصت وكل التفاصيل التي زعزعت أمن اللبنانيين الذين كانوا يعيشون هناك".
الإعلامي علي فرحات، تنقّل بين عدة وسائل إعلامية لاتينية عربية وأوروبية، أسس موقع الحدود عام 2010، وعمل لسنوات في شبكة الميادين قبل أن يكمل مسيرته إلى الآن في قناة روسيا اليوم، متنقلا بين دول أميركا اللاتينية باحثا عن تغطية الأحداث الصحفية، وشغفه في المهنة التي لطالما كان يحلم بالعمل بها.
علي الذي تخطى الـ 30 سنة من الغربة، لا زال متعلقاً بلبنان وعاداته وبيئته، وهذا ما دفعه لإرسال عائلته وأولاده للعيش في لبنان، إيماناً منه بأنه مهما حمل في جعبته جنسيات مختلفة، يبقى لبنانياً وسيعود ليكمل حياته في لبنان يوماً ما.