في مخيم "كاكوما" للاجئين في كينيا، والذي يعتبر من أكثر مخيمات اللاجئين اكتظاظا في العالم، تنشط وكالات تابعة لدور الأزياء العالمية، والتي تقوم بالبحث عن فتيات وتوظيفهن كعارضات أزياء في أوروبا. ووفقاً لشهادات بعضهن، ومعظمهن من جنوب السودان، فقد تعرضن للاستغلال من قبل هذه الوكالات في أوروبا.
لا شك في أن عواصم الأزياء الكبرى في أوروبا، كباريس وميلان ولندن وبرلين، تشكل حلم عارضات الأزياء الشابات من جميع أنحاء العالم، اللاتي تتخيلن أنفسهن على منصات الأزياء في "أسبوع الموضة"، محاطات بإبداعات أكبر العلامات التجارية العالمية الفاخرة.
لكن الوجه الآخر لهذه الأحلام قد يكون وحشيا أيضا، خاصة أن بعض الجهات التي تعمل في صناعة الأزياء، لا تتردد في استخدام وسائل غير قانونية واستغلال الفئات الأكثر ضعفا لتحقيق أهدافها. هذا هو الحال بالنسبة للشابات في مخيم "كاكوما" للاجئين.
يقع مخيم "كاكوما" في شمال غرب كينيا، وهو أحد أكثر المخيمات اكتظاظا بالسكان في العالم، حيث يضم أكثر من 200 ألف شخص. يرحب المكان باللاجئين من بوروندي وأوغندا وإثيوبيا، ولكن أيضا من المناطق الكينية الأخرى وخاصة من جنوب السودان، الذي تبعد حدوده حوالي 120 كلم.
حوالي 100 شهادة كل شهر
وفي اتصال مع مهاجرنيوز، قال جواو راموس من منظمة "إنترناشيونال ريسكيو" غير الحكومية، "على الرغم من الكثافة العالية في المخيم، إلا أنه من السهل رؤية أشخاص من الخارج يتواصلون مع اللاجئين للقيام بأعمال تجارية. منذ بعض الوقت، كان بعض الأشخاص يسألون عن عمر بعض اللاجئات ويفحصون الخصائص الجسدية للشابات".
وِأضاف "إنه أمر مثير للقلق، لأننا نعلم أن الشابات هم الأكثر عرضة للخطر وأن بعض الباحثين عن الكفاءات يريدون توظيف مواهب المستقبل في مجال الأزياء، من خلال إيهامهن بأشياء عظيمة. نحن ندرك أن هذه الممارسة شائعة بشكل متزايد".
وتؤكد ألوت أكول، العاملة الاجتماعية في المخيم والتي تساعد الشابات العائدات من أوروبا بعد أشهر من تعرضهن للاستغلال هناك، قائلة "العلامات التجارية تحب حقاً ملامح نساء جنوب السودان، وملمس ولون بشرتهن، مثل أدوت أكيش على سبيل المثال، التي تتمتع بمسيرة مهنية ضخمة، وتعتبر رمزا وطنيا".
عارضة الأزياء أدوت أكيش، المتحدرة من جنوب السودان، خلال عرض أزياء المصمم روبرتو كافيلي، في 23 شباط/فبراير 2022. المصدر: FlickrCC
ووفقاً للمنظمات غير الحكومية الموجودة في المخيم، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 100 شخص يأتون كل شهر لمشاركة قصصهم والإدلاء بشهاداتهم حول الممارسات غير القانونية. يتحدث البعض عن رحلات قادت الشباب إلى أوروبا، وانتهت بالنسبة للبعض بالعودة إلى المخيم مثقلين بالديون والمشاكل".
هذه هي حالة أنوك، 22 عاماً، وهي لاجئة من جنوب السودان، تم توظيفها عندما كانت في "كاكوما" من قبل وكالة بريطانية بداية عام 2022. تتذكر "أتى رجل في الثلاثينيات من عمره، أنيق للغاية، ترافقه امرأة كينية من المحتمل أنها تعرف المخيم. كان ذلك في شباط/فبراير 2022. أخبروني أن جمالي قد أسرهم، وأنني يجب أن أفعل كل شيء للخروج من هنا، وأن بإمكانهم إرسالي إلى أوروبا لأجرب حظي في عالم الأزياء. قلت لهم نعم على الفور، لأن ذلك كان حلم طفولتي".
"لقد تم استخدامي كشيء بلا قيمة"
وبفضل اثنين من "الباحثين عن المواهب"، ذهبت الشابة إلى لندن، وبدأت مغامرتها بالفعاليات الترويجية لكبرى العلامات التجارية العالمية، قبل أن تتمكن من العرض في "أسبوع الموضة" في لندن وباريس. عاشت الشابة الجنوب سودانية حلم حياتها، ثم مع مرور الوقت، بدأت بطرح الأسئلة على نفسها.
تقول "في الأشهر الأولى، كنت أتقاضى راتبي، وعرضت في عدة فعاليات، لكن بعد أسابيع الموضة، لم أتقاضى راتبي لمدة ثلاثة أشهر، وطُلب مني عدم طرح الأسئلة. وجدت ذلك غريباً، وفي أحد الأيام، أخبرتني صديقتي التي كانت معي أن اثنتين من صديقاتها قد تم إرسالهما إلى باريس وأنها انقطعت عنهما منذ تلك اللحظة”.
وفي بداية عام 2023، أرسل شخص من الوكالة تذكرة طائرة إلى أنوك، للعودة إلى "كاكوما" بهدف "أخذ إجازة قصيرة". امتثلت الشابة لهذه الرسالة وعادت إلى كينيا. تتابع "بعد 15 يوما، لم يعد بإمكاني الاتصال بالوكالة، ولم يرد علي أحد. كنت في حالة ذعر، وبعد شهر تقريبا في كاكوما، جاء رجل لرؤيتي ليخبرني أنني مدينة بمبلغ 4500 دولار (حوالي 4100 يورو). للوكالة. لقد تم خداعي، لقد تم استخدامي كشيء بلا قيمة، وقاموا بالتخلص مني بعد الانتهاء مني".
"الظاهرة أصبحت متكررة أكثر فأكثر"
حالهن كحال أنوك، هناك عدة مئات من الشابات اللاتي يجدن أنفسهن في نفس الوضع، وبالتالي يشاهدن أحلامهن تتحول إلى كوابيس. وتعلق ألوت أكول "الظاهرة تتكرر أكثر فأكثر، وأنا قلقة على مصير هؤلاء الفتيات، فقد تحطمت مصائرهن، وعلينا أن نساعدهن على إعادة بناء أنفسهن واستعادة ثقتهن بأنفسهن. ألاحظ أنه وعلى الرغم من مشاركتنا لقصص الاستغلال هذه، إلا أنها لا تحد من وقوع مزيد من الأشخاص ضحايا لعمليات مشابهة. أتحدث كل يوم مع فتيات صغيرات يقلن لي: إذا جاء شخص ما لاصطحابي، سأغادر غدا".
لا يقتصر هذا الاستغلال على النساء اللاتي تم إعادتهن إلى "كاكوما" فحسب، بل يشمل أيضاً عدة مئات من عارضات الأزياء الطموحات اللاتي يجدن أنفسهن عالقات في أوروبا.
"لا أريد العودة إلى المخيم والفشل"
هذه هي حالة آنا*، الابنة الصغرى لعائلة من ثمانية أخوة، وتبذل الشابة كل ما في وسعها للحياة في أوروبا منذ ستة أشهر.
تقول "وصلت إلى باريس عبر وكالة فرنسية إيطالية، لكن الأمور لا تسير كما خططت لها، ولدي مخاوف على مستقبلي. لقد تم توظيفي في مخيم كاكوما، ولم أستطع أن أرفض هذه الفرصة. لقد فعلت ذلك أيضا لمساعدة عائلتي، لأننا فقراء للغاية، ومن النادر جدا أن نحصل على حياة أفضل في وضعنا هذا".
وقد شاركت عارضة الأزياء الشابة البالغة من العمر 21 عاما بالفعل، في عروض لعلامات تجارية عالمية كبرى، ولكنها تكافح من أجل تغطية نفقاتها. تقول بقلق "خلال الأسابيع الأولى، تلقيت أموالاً لأنني كنت أشارك في العروض، ولكن منذ بعض الوقت، أصبحت الطلبات أكثر ندرة، ويقال لي إنه وضع طبيعي وإن الأمور ستتغير قريبا. المشكلة هي أنني أرى زملاء لي يغادرون إلى أماكن أخرى في أوروبا، ويتم إرسال بعضهم مرة أخرى إلى كاكوما. هذا يخيفني. لا أريد العودة إلى المخيم والفشل. الأشخاص الذين أحضروني إلى هنا ليسوا قريبين مني، ولا يساعدونني. أستطيع البقاء على قيد الحياة وتدبر أمري بمساعدة بعض الأصدقاء الذين يعطونني شيئا لآكله لأنه لم يعد لدي مال".
في "كاكوما" أو في أوروبا، هناك نماذج عديدة تحاول محاربة مشكلة استغلال البشر. تقول آنا متأسفة "لقد ارتفعت بعض الأصوات، ولكن لا يزال هناك عدد قليل جدا من الذين يتحدثون علنا. هناك عدد قليل جدا من الأشخاص الذين يضعون أنفسهم في مواقف خطيرة لا سيما ممن يعيشون في وضع غير مستقر، ولا يخشون من التحدث بشجاعة. أنا أفعل ذلك من خلال عدم الكشف عن هويتي لأنني أيضا خائفة، ولا أريد أن أجد نفسي في موقف أكثر صعوبة مما هو عليه الآن".