عندما كان جيولوجياً شاباً كان يعمل لدى شركة النفط المملوكة للدولة في السنغال في التسعينيات، تم تكليف «ماكي سال» بالتنقيب عن النفط والغاز في هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا. لسنوات عديدة، لم تكن عمليات التنقيب التي يقوم بها هو وزملاؤه تسفر عن أي شيء.
ولكن بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن، وبعد انتخاب «سال» رئيساً للسنغال، عثرت شركة طاقة أميركية على مخزون غاز ضخم إلى الحد الذي جعله يصفه بأنه «سيغير قواعد اللعبة». لقد أدى اكتشاف 15 تريليون قدم مكعب من الغاز في عام 2015 إلى تحويل السنغال إلى واحدة من أكبر المنتجين المحتملين للغاز الطبيعي في أفريقيا - وتحويل «سال» إلى مدافع عالمي عن حق الدول النامية في استخدام مواردها، بما في ذلك الوقود الأحفوري، في التصنيع والتنمية. وبعد التأجيل عدة مرات، من المقرر أن تبدأ السنغال الآن في إنتاج الغاز من الاحتياطيات في وقت لاحق من هذا العام، وفقاً لشركة النفط والغاز العملاقة «بريتش بيتروليم (بي بي)»، التي تقود العملية. تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن أفريقيا كانت موطناً لـ 40% من اكتشافات الغاز الطبيعي بين عامي 2010 و2020، بما في ذلك اكتشاف قبالة ساحل السنغال بالقرب من سانت لويس ومكمن آخر أصغر بالقرب من العاصمة داكار.
وفي عام 2022، في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بدأ القادة الأوروبيون، الذين تعهدوا في السابق بالابتعاد عن الوقود الأحفوري، يتطلعون نحو الغاز الطبيعي في أفريقيا ليحل محل التدفقات القادمة من روسيا. ومع ذلك، حذر علماء البيئة من أن مثل هذه الجهود التي تبذلها الدول النامية يمكن أن تصبح من بين أهم محركات تغير المناخ وإحباط المحاولات العالمية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية.
يتفق الباحثون في مجال البيئة عموماً على أن الغاز الطبيعي أفضل من النفط والفحم، لكنهم يقولون أيضاً إنه لا يزال وقوداً أحفورياً يساهم كثيراً في ارتفاع درجة حرارة الكوكب في الوقت الذي حذرت فيه الأمم المتحدة من الحاجة إلى اتخاذ إجراءات جذرية للحد من تغير المناخ. كثيراً ما تتطلع البلدان النامية، مثل السنغال، إلى البنك الدولي وغيره من المؤسسات المالية العالمية للحصول على المساعدة في تحقيق مثل هذه التنمية الطموحة.
لذا فإن مشاريع الغاز الطبيعي هذه ستشكل اختباراً للتعهدات الدولية التي تم التعهد بها في مؤتمرات المناخ للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. ودخل «سال» في مواجهات متكررة مع جماعات حماية البيئة في مؤتمرات المناخ والطاقة العالمية. وفي مقابلة أجريت معه هذا الشهر، رفض سال الانتقادات ووصفها بأنها «تعصب مناخي»، قائلاً، إن العديد من المنتقدين هم من الدول المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث أصبح التصنيع ممكناً بفضل الوقود الأحفوري. وأضاف: «كيف تقول للناس في أفريقيا، حيث لا يحصل نصف السكان على الكهرباء...» اتركوا مواردكم في الأرض. نحن بحاجة إلى تحول عادل في مجال الطاقة».
يعد «سال» من بين القادة ومحللي الطاقة الذين يجادلون بأن الغاز الطبيعي على وجه الخصوص سيكون ضرورياً لتوصيل الكهرباء إلى منازل 600 مليون شخص في القارة لايزالون يفتقرون إليها. من شاطئ «سانت لويس» في غرب أفريقيا، تلوح في الأفق البنية التحتية اللازمة لمعالجة الغاز السنغالي. يقع احتياطي الغاز نفسه، الذي اكتشفته شركة «كوزموس إنرجي بدالاس»، على بعد حوالي 75 ميلاً من الشاطئ على طول الحدود البحرية للسنغال مع موريتانيا، كما يقع على عمق أكثر من ميل تحت قاع البحر، مما يجعله من بين أعمق المشاريع البحرية في أفريقيا حتى الآن.
في عام 2016، وقعت شركة «بريتيش بتروليوم» عقداً كمشغل للحقل، الذي يعتقد المسؤولون أن لديه إمكانات إنتاجية لمدة 30 عاماً. وتقدر كوزموس أن إجمالي الغاز الموجود الذي اكتشفته الشركة في المنطقة يبلغ نحو 100 تريليون قدم مكعب. تعد الجزائر ومصر ونيجيريا حالياً أكبر منتجي الغاز الطبيعي في أفريقيا.
ولا تزال الولايات المتحدة أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، تليها روسيا وإيران وكندا. بالنسبة لشعب سانت لويس، الواقعة بين نهر السنغال والمحيط الأطلسي، لا يشكل تغير المناخ تهديداً نظرياً.
وقد حددتها الأمم المتحدة باعتبارها المدينة الأكثر عرضة في أفريقيا كلها لارتفاع منسوب مياه البحار. تتمتع السنغال بمعدل استخدام للطاقة الكهربائية أعلى من معظم البلدان الأخرى في القارة. ومع ذلك، لا يزال 30% من السكان يفتقرون إلى الكهرباء.
وقالت «فيجايا راماشاندران»، محللة الطاقة في معهد بريكثرو في كاليفورنيا، إنه يجب أن يؤخذ«العجز الهائل في الطاقة» في أفريقيا في الاعتبار في المناقشات حول استخدام الوقود الأحفوري، مشيرة إلى أن المواطن الأفريقي العادي يستهلك من الطاقة في عام واحد ما يعادل ما يستهلكه المواطن الأميركي في أربعة أيام. وتمثل الانبعاثات الإجمالية من القارة أقل من 4% من الإجمالي العالمي، على الرغم من أن الأفارقة يمثلون ما يقرب من 20% من السكان. ولكن حتى بعد أن يبدأ حقل الغاز البحري في السنغال الإنتاج في الأشهر المقبلة، لا يزال أمام العديد من السنغاليين الانتظار لفترة طويلة. وقال سال إن الغالبية العظمى من الغاز المنتج في البداية سيتم تصديره إلى أوروبا. وتعتزم الحكومة استغلال الحقل الثاني الأقرب إلى داكار للاستخدام المحلي.
ويرى «سال» أن الغاز يساعد السنغال على التحول بعيداً عن النفط، الذي يزود معظم الكهرباء في البلاد، مع جلب المزيد من الطاقة من المصادر المتجددة إلى الشبكة الكهربائية. لكنه قال إنه من غير الواضح ما إذا كان البنك الدولي ووكالات التنمية الدولية الأخرى سيساعد في تمويل مشاريع البنية التحتية باهظة الثمن، بما في ذلك خطوط الأنابيب ومصنع المعالجة اللازمة لاستخدام الغاز محلياً. قدم البنك الدولي تمويلاً بقيمة 30 مليون دولار في عام 2017 لتطوير قطاع الغاز الطبيعي في السنغال، لكن البنك أسقط تمويله منذ عدة سنوات لمشروع آخر لتحويل محطات الطاقة الحالية إلى الغاز الطبيعي.
أوجز تقرير صدر هذا الشهر عن وكالة الطاقة الدولية التحديات التي تواجهها صناعة الغاز في السنغال مع ابتعاد بنوك التنمية عن تمويل مشاريع الوقود الأحفوري، مشيراً إلى أن «البنية التحتية للغاز في البلاد لا تزال قيد المناقشة، ومن غير الواضح كم ستبلغ التكلفة ومن سيمولها ومتى ستكون جاهزة».
قال رئيس البنك الدولي «أجاي بانجا»، إنه خفض بشكل كبير تمويل مشاريع الوقود الأحفوري بما في ذلك الغاز الطبيعي على مدى العقد الماضي. واعترف بأن الدول الفقيرة لا تزال بحاجة إلى الغاز من أجل تنميتها، مضيفاً أن البنك يعتقد أن الغاز الطبيعي «يلعب دوراً، لكنه دور صغير جداً». وحتى لو لم يمول البنك الدولي مشاريع الغاز في السنغال، قال «سال» إن البلاد ستظل تجد طريقة للمضي قدما. ربما ينبعث من الغاز الطبيعي كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالنفط والفحم، الذي تستخدمه الهند والصين لتغذية اقتصاداتهما المتنامية، لكن الناشطين في مجال البيئة يقولون، إن تطوير مشاريع الغاز قصير النظر.
بالمعدل الحالي الذي يتم فيه تطوير مشاريع الغاز الطبيعي، من المتوقع أن يأتي 70% من الزيادة في الانبعاثات الناجمة عن الوقود الأحفوري بحلول عام 2030 من الغاز، وفقاً لمجموعة«كلايميت أكشن تراكر» Climate Action Tracker، وهو تعاون بين منظمتين غير ربحيتين مقرهما ألمانيا. ووجدت المجموعة أنه لكي يحقق العالم هدف اتفاق باريس المتمثل في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل الصناعة، يجب إنتاج طاقة الغاز الطبيعي بأقل من ثلث مستويات اليوم والتخلص منه تدريجياً بحلول عام 2040. راشيل تشاسون*